وصايا لأهل القرآن
الوصية الرابعة
دورة تحفيزية قدمت على أكاديمية الحسيني لشحن الهمم وتقوية عزيمة الطالب وعلاقته بالقرآن الكريم، ويلقي الدورة مجموعة من عمالقة ومشاهير القراء في العالم الإسلامي، وفيها يجد الطالب خلاصة تجاربهم، وعقيق نصائحهم،
نصيحة الشيخ محمد جبريل بعنوان زينوا أصواتكم بالقرآن.
الحمد لله رب العالمين، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
وبعد: إخواني أخواتي أبنائي وبناتي من أهل القرآن، أرحب بكم أجمل ترحيب، و أحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام:فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
إن فرحتي عظيمة وأنا أتحدث إليكم خلال هذه الدقائق المعدودة عن وصية من أهم الوصايا المتعلقة بالقرآن الكريم، وأهل القرآن امثالكم أولى الناس بالأخذ بها، واعلموا رحمكم الله ان الله رتل القرآن اولا، فقال جل في علاه :(ورتلناه ترتيلا) ثم أمر رسوله الله صلى الله عليه وسلم أن يرتله، فقال تبارك وتعالى :(يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)، ثم أمرنا أن نتلوه حق تلاوته، فقال جل في علاه: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون).
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( زينوا القرآن بأصواتكم)، حديث صحيح رواه أهل السنن، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به.) رواه البخاري ومسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أهل القرآن بالتغني بالقرآن، قال العلماء المقصود بالتغني بالقرآن هو تحسين الصوت بالقرآن حال قراءته، أي أثناء القراءة، بل بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على هذا الأمر حتى قال :(ليس منا من لم يتغن بالقرآن) رواه البخاري، فالقرآن يزيد جمالا إذا قرأ بالأحكام المعروفة من إقلاب وإدغام وإخفاء إلى آخر، ويزيد جمالا فوق هذا الجمال إذا قرأ بصوت حسن، فقد كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يثني على الصحابة رضي الله عنهم أصحاب الأصوات الحسنة، ممن كانوا يتغنون بالقرآن الكريم، فذات يوم سمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فأعجب بقراءته، فقال له :(لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود) رواه البخاري.
وفي رواية أخرى أن أبا موسى الأشعري أجابه قائلا: يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لقراءتي لحبرتها لك تحبيرا، أي لحسنت القراءة تحسينا، والمراد بآل داوود هو النبي داوود عليه السلام، فقد كان حسن الصوت جدا، لذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يحبون قراءة القرآن بالترتيل، وتحسين الصوت في القراءة، وينهون الناس عن خلاف ذلك، جاء أبو جمرة رحمه الله إلى عبد الله بن عباس، وهو الملقب بترجمان القرآن فقال له: يا بن عباس إني سريع القراءة، إني أهز القرآن، أي أقرأه سريعا، فقال له بن عباس :لأن أقرأ سورة البقرة فأرتلها أحب إلي من أقرأ القرآن كله هذرمة، أي مسرعا، ثم قال له: فإن كنت فاعلا لابد فأقرأه قراءة تسمع أذنيك ويعيه قلبك، وبالتالي لا بد أن يكون هادئا في القراءة مطمئنا حتى تدخل هذه القراءة القلوب التي تسمعها ،سبحان الله ما أكثر هؤلاء القراء اليوم، الذين يقرؤون القرآن الكريم الذي هو كلام الله تبارك وتعالى ، أعظم كلام ، يقرؤونه هذرمة، أي قراءة سريعة بلا ترتيل ولا تأن، يسقطون الحروف والكلمات، فهل هذه هي القراءة التي يريدها الله تبارك وتعالى، الجواب كلا، إن القراءة التي يريدها الله تبارك وتعالى هي القراءة التي تؤثر في القلوب، وتغير في النفوس، لذا قال السلف: اقرؤوا القرآن وحركوا به القلوب، ليكون هم أحدكم آخر السورة، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ ،حسبتموه يخشى الله )، قد يتعجب المسلم ويتساءل، ما سبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين الصوت في قراءة القرآن، والتأكيد على هذا الأمر وحرص الصحابة على ذلك، أقول أن السبب يعود إلى أمرين،
- الأمر الأول: أن تزيين الصوت بالقرآن الكريم يحبب الناس في القرآن، ويزين القرآن ويزيده حسنا وجمالا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا).
- الأمر الثاني: أن تزيين القرآن بالصوت يؤدي الى تزيينه في القلوب والنفوس، وهذا بلا شك سيؤثر في امتثال المسلم لأوامر الله والانتهاء عن مناهيه والرغبة في وعده والرهبة من وعيده، فإذا قرأ القارئ القرآن بالترتيل والأداء الجميل والحسن وصل المعنى مباشرة إلى الأفهام بلا مشقة ثم حصل التدبر لمعاني كتاب الله، والتفكر في آياته، فالقرآن جميل ويزداد جمالا إذا قرأ بالصوت الحسن، لأنه عندئذ سيؤثر في القلوب لا محالة .
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بهذه الكلمات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
تعليقات
إرسال تعليق