جمع القرآن
مر القرآن الكريم في جمعه بثلاث مراحل:
1. مرحلة جمع النبي صلى الله عليه وسلم.
2. مرحلة جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
3. مرحلة جمع عثمان رضي الله عنه.
هذه المراحل تحتاج منا الى تأمل وفهم لكيفية جمع نبينا صلى الله عليه و سلم, وأبي بكر وعثمان رضي الله عنهما القرآن و أسباب ذلك.
الجمع له معنيان في اللغة:
الأول: الحفظ؛ الذي هو: الاستظهار في الصدور.
والثاني: الكتابة، وهي التي حصلت في عهد الرسول صلى صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما, وما زالت إلى يومنا هذا المصاحف تكتب.
الجمع الأول الذي هو بمعنى الحفظ:
فقد حفظ الله هذا القرآن, فقال جل في علاه:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ , و كان رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم حريصا على حفظ القرآن في صدره, قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ به لسانَك القيامة 16، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعالِجُ مِن التنزيل شِدَّةً، وكان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ, فقال لي ابنُ عباس: فأنا أُحَرِّكُهما لك كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهما, فقال سعيد: أنا أُحَرِّكُهما كما كان ابنُ عباس يُحَرِّكُهما، فحرَّك شَفَتَيْهِ فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: لا تُحَرِّكْ به لسانَك لِتَعْجَلَ به إنَّ علينا جَمْعَه وقُرآنَه القيامة 17, قال: جَمْعَه في صدرك ثم تقرؤه, فإذا قرأناه فاتَّبِعْ قُرآنه القيامة 18 قال: فاستمِع له وأَنْصِتْ، ثم إنَّ علينا أن تقْرَأه, قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلقَ جبريلُ قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرَأَه.
فالله عز وجل تكفل بحفظ القرآن فقال : بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم, فالقرآن حفظه الله في صدور الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان الصحابة يحفظون القرآن ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار ويرددون رغم أنهم كانوا أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ,وكانوا يعتبرونه دستورهم ومرجعهم وبذلك اعتنوا به وحفظوه .
وقال تعالى : سنقرئك فلا تنسى إذا تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن في صدر الرسول صلى الله عليه وسلم فيبلغه ,فهو معصوم في هذا الأمر, أما بعد التبليغ فقد ينسى الرسول صلى الله عليه وسلم آية أو آيتين فيذكرها عبر الصحابة رضي الله عنهم, كما جاء في الحديث أنه سمع تاليا يتلو بالليل فقال قد ذكرني هذا آية أنسيتها, فالقرآن محفوظ في صدور الصحابة رضي الله عنهم والذين حفظوا القرآن من الصحابة كثيرون فحفظ القرآن فرض كفاية على الصحابة وعلى الامه كلها.
الجمع الثاني عن طريق الكتابة: جاء في القرآن ما يدل على الحفظ وما يدل على الكتابة فما يدل على الحفظ في تسميته هذا القرآن لأنه على سبيل القراءة وجاءت آيات في ذلك كقوله تعالى: بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم ,أما الكتابة فجاءت متأخرة فالأصل أن الامة تناقلت هذا القرآن حفظا من صدر إلى صدر يتلقونه مشافهة فقد قال الصحابي ابن مسعود رضي الله عنه : تلقيت من في النبي صلى الله عليه وسلم 70 سورة.
1. مرحلة جمع النبي صلى الله عليه وسلم.
أما كتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم كتابا للوحي وقد وصل عددهم الى الأربعين منهم الخلفاء الأربعة منهم : زيد بن ثابت وهو أشهر كتاب الوحي, أبي بن كعب, ومعاوية ,والزبير بن العوام ٫وعبد الله بن أبي السرح وغيرهم كثير.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه الآية يدعو كاتبا من كتاب الوحي و يأمرهم بكتابة هذه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي فيها كذا وكذا فيأمر بوضعها في موضعها ثم يأمر هذا الكاتب أن يقرأها ثم يأمر الكاتب أن يخرج للناس ويتلو عليهم ما نزل. وقد جاء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن منزله كان قريب من بيت النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي إذا نزلت آية فقد كان يدعوه لكتابتها, وقد جاء في حديث عن البخاري عندما نزلت الآية: لا يستوي القاعدون من المؤمنين, فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره أن يكتب هذه الآية ثم جاء عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه وقال: يا رسول الله, الرجل الأعمى ما عذره, فأنزل الله تعالى : غير أولي الضرر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يأتي ويزيد هذا اللفظ .
هكذا كان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتابة إلا أن الأمر ما كان هينا لعدم توفر وسائل الكتابة و قلة المتعلمين للقراءة والكتابة فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث في أمة أمية الا قله قليله فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : نحن امة امية لا نقرأ ولا نكتب, وقال تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم, وقد كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن غير مجموع في كتاب واحد بل كانت الآيات مفرقة في العسب واللخاف والأقتاب والأكتاف لأن القرآن لم يكتمل بعد وكلما نزلت آية يضعها الرسول في سورتها حتى يتم القران كاملا ولم يكن هناك سبب جمع القرآن.
2. مرحلة جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت فتنة الردة وقتل أبو بكر رضي الله عنه المرتدين في معركة اليمامة. كما قتل عدد كبير من الصحابة ما يقارب 500. كان الكثير منهم من القراء وحفاظ القرآن الكريم. فهنا خاف الصحابة على القرآن من الضياع. فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على جمع القرآن في كتاب واحد ففي حديث جاء في صحيح البخاري عن زيد ابن ثابت قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال إن عمر أتاني فقال: إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني اخشى إن استحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القران وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ،قلت: يا عمر كيف تقوم بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عمر :هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قال: قلت :كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن ,أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءتنا رسول من أنفسكم فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر في حياته ثم عند حفصة بنت عمر, رواه البخاري وهذا الجمع كان في 12 للهجرة.
وكان زيد الذي كلف بجمع القرآن يتميز بمميزات فهو كان قريب وجار للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب له الوحي وكان شابا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جاء في السيرة أن زيد تعلم العبرانية في 20 يوم وكان حافظا كما أنه حضر في العرضة الأخيرة للقرآن وكان زيد أيضا شديد الأمانة , قال زيد جمعته من العسب واللخاف أمر أبو بكر وعمر بن الخطاب أن يقف على أبواب المساجد اقعدوا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه, كان الجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه على ثلاثة مراحل:أخذ من صدور الرجال و الحفاظ من الصحابة, يأتون بالمكتوب الذي كتب بين يديه النبي صلى الله عليه وسلم. وياتون بشاهدين على أنه كتب عن عند النبي صلى الله عليه وسلم.
الجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه جمع المتفرق في مصحف واحد واقتصر على الأحرف السبع واتفق العلماء أن هذا المصحف كان محفوظا وموجودا عند أبي بكر رضي الله عنه.
3 . مرحلة جمع عثمان رضي الله عنه
جاء حذيفة ابن اليمن من ارمينيا و اذربيجان الى عثمان بن عفان رضي الله عنه في المدينة فدخل عليه فقال: أدرك هذه الأمه قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل
عثمان بن عفان إلى حفصه أن أرسلي المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه. فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وعبد الله ابن الزبير وسعيد بن العاص عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأمرهم بنسخ هذا المصحف, فعبد الله بن الزبير والسعيد العاص وعبدالرحمن بن حارث بن هشام وزيد بن ثابت كانوا من قريش ويتكلمون بلسانها.
فالمزايا التي كان يتصف بها زيد والتي جعلته يكلف بجمع القرآن هي كذلك التي أهلته بجمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
اعتمد عثمان بن عفان منهجية في جمع القرآن ،فقال لهم إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم قال: ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف.أعاد عثمان الصحف التي نسخت في عهد ابو بكر الى حفصة وقام بنشر ما كتبت في عهده وما عداها أمر بحرقها.
فقيل نسخت في عهد عثمان من أربعه الى ثمانية مصاحف بعث واحده منها الى المدينة والشام ومكة و البصرة وزاد بعضهم اليمن وزاد الاخر الكوفة وكان هدف عثمان على هذا الجمع هو توحيد الأمة على القراءة الصحيحة التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم في العرضة الأخيرة على جبريل.
تعليقات
إرسال تعليق